عندما يشكل الذكاء الاصطناعي ما نعرفه ونؤمن به: الحتمية الخوارزمية والظلم المعرفي في عصر الذكاء الاصطناعي

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من نسيج وجودنا، حيث يتولى مهام كانت في السابق حكراً على العقل البشري. فمن التشخيص الدقيق للأمراض إلى التنبؤ باتجاهات السوق، يتم نشر أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد كأدوات هائلة لفك شفرة تعقيدات عالمنا والتنقل بينها. ومع ذلك، ومع تنامي تأثير الذكاء الاصطناعي، يتزايد أيضاً القلق بشأن انتشار التحيز. إن المقولة التي كثيراً ما يتم الاستشهاد بها، "القمامة تدخل، القمامة تخرج"، تعني أن الذكاء الاصطناعي يعكس ببساطة التحيزات المجتمعية المضمنة في بيانات التدريب الخاصة به. وفي حين أن هذه الملاحظة تحمل قدراً ضئيلاً من الحقيقة، إلا أنها لا تخدش سوى سطح سرد أعمق كثيراً ــ وربما أكثر إزعاجاً.
إن القضية الأساسية تتجاوز مجرد انعكاس التحيز في الذكاء الاصطناعي. إنها تتعلق بالدور التحويلي للذكاء الاصطناعي باعتباره مهندساً لنظم المعرفة والمعتقدات الجماعية. وبصفته الناشئة كمنشئ للمعرفة ومحكم للمعلومات، فإن الذكاء الاصطناعي يجبرنا على تجاوز النموذج التبسيطي "البيانات الواردة والتحيز الخارج". وبدلاً من ذلك، يتعين علينا مواجهة نظرية المعرفة الخاصة بتحيز الذكاء الاصطناعي ــ الطرق التي يشوه بها هذا التحيز بشكل أساسي قدرتنا على الوصول إلى المعرفة، ويشوه الاستقصاء العلمي، ويديم الظلم المعرفي العميق.
ولنتأمل هنا أنظمة الذكاء الاصطناعي التي أصبحت تشكل المحور الرئيسي لنظامنا البيئي المعلوماتي في القرن الحادي والعشرين. فمحركات البحث، وخوارزميات التوصية على وسائل الإعلام الاجتماعية ومنصات البث المباشر، وأدوات البحث المتطورة المصممة لغربلة مجموعات البيانات الضخمة، كلها رموز لهذه الثورة التكنولوجية. ولم تعد هذه الأنظمة مجرد قنوات سلبية للمعرفة القائمة، بل تطورت إلى أمناء ومفسرين نشطين. ونتيجة لهذا، عندما يتسلل التحيز إلى هذه الأنظمة، فإن العواقب تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد إساءة وضع عدد قليل من الإعلانات؛ فهي تمتلك القدرة على تشويه فهمنا للعالم بشكل خفي ــ أو صريح.
ولنتخيل محرك بحث مبرمج خوارزميا لرفع النتائج التي تعكس السرديات الثقافية السائدة. وبالنسبة للمجتمعات المهمشة، قد يتجلى هذا في عرض مستمر للمعلومات التي يتم تصفيتها من خلال عدسة غريبة، أو ما هو أسوأ من ذلك، في صورة تحريفات منهجية لتاريخها وتجاربها المعاشة. وعلى نحو مماثل، يمكن لأنظمة التوصية المتحيزة على وسائل التواصل الاجتماعي أن تولد غرف صدى رقمية تعمل على تعزيز الصور النمطية القائمة وتقليص التعرض لوجهات نظر متنوعة. وإذا كانت الخوارزميات تربط باستمرار بين فئات ديموغرافية معينة ومجازات سلبية، فقد يتعرض الأفراد من هذه المجموعات لقصف غير متناسب من المحتوى الذي يعزز السرديات الضارة، وبالتالي تعميق عدم المساواة المجتمعية.
إن مثل هذه النتائج تتجاوز نطاق التأمل المجرد. فعندما تعمل الذكاء الاصطناعي بنشاط على تشكيل المشهد المعلوماتي، فإنها تصبح وكيلاً قوياً للظلم المعرفي. إن مفهوم الفيلسوفة ميراندا فريكر للظلم المعرفي يجسد الأضرار التي تلحق بالأفراد عندما يتم إعاقتهم بشكل غير عادل في قدرتهم على المعرفة والفهم والمساهمة في مستودع المعرفة الجماعي لدينا. يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المتحيزة أن تؤدي إلى تفاقم الظلم المعرفي بعدة طرق حاسمة:
في حين يركز الخطاب الأخلاقي المعاصر حول تحيز الذكاء الاصطناعي غالبًا على الكشف والتخفيف، فإن هذه الجهود، على الرغم من كونها لا غنى عنها، غير كافية بمعزل عن غيرها. يتعين علينا توسيع نطاق المحادثة لاستجواب التداعيات المعرفية العميقة للذكاء الاصطناعي المتحيز. لا يمكن حصر معالجة التحيز في ممارسة تقنية لإزالة التحيز من مجموعات البيانات أو الخوارزميات. بل إنها تتطلب فحصًا نقديًا لكيفية إدامة وتضخيم أنظمة الذكاء الاصطناعي لهياكل السلطة الراسخة داخل مجال إنتاج المعرفة ونشرها.
تاريخيا، كان إنشاء المعرفة ونشرها خاضعا لديناميكيات القوة التي تمنح امتيازات لمؤسسات وأصوات ووجهات نظر معينة بينما تهمش أخرى. وإذا تم تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي ونشرها دون وعي شديد بهذه الديناميكيات، فإنها تخاطر بأتمتة وتفاقم هذه التفاوتات. على سبيل المثال، إذا كانت مجموعات البيانات المستخدمة في التدريب مستمدة في الغالب من مصادر غربية تركز على الذكور، فمن المرجح أن تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي الناتجة هذه التحيزات وتضخمها - مما يزيد من تهميش وجهات النظر غير الغربية والأنثوية.
كيف يمكننا إذن أن نضمن ظهور الذكاء الاصطناعي كأداة للعدالة المعرفية وليس ناقلاً للضرر المعرفي؟ تكمن الإجابة في تجاوز الحلول التقنية الضيقة وتبني نموذج شامل واعي اجتماعياً يشمل:
باختصار، يتطلب التعامل مع نظرية المعرفة الخاصة بتحيز الذكاء الاصطناعي تحولاً جذرياً في تصورنا لهذه التقنيات. فالذكاء الاصطناعي ليس أداة محايدة، بل قوة فعّالة قادرة على تشكيل فهمنا للعالم وقدرتنا على الوصول إلى المعرفة. ومن خلال إبراز العدالة المعرفية وتفكيك الآليات التي يعمل الذكاء الاصطناعي المتحيز من خلالها على إدامة الضرر المعرفي، يمكننا أن نسعى إلى بناء أنظمة تعمل كقنوات حقيقية للمعرفة وتمكين الناس والنهوض بمجتمع أكثر عدالة.
We’ll never share your details. View our Privacy Policy for more info.